Senin, 22 September 2025

bantahan ilmiyah

دعوى (فشل النبيِّ عليه السلام في رسالته) من الخميني إلى الدَّدُو
[https://www.islamancient.com/ar/?p=38034]
 

الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله خاتم الأنبياء والمرسلين.

هذا مقطع للشيخ محمد الحسن الدَّدُو الشنقيطي من لقاء له على «بودكاست الرحلة»، نُشر على منصة (يوتيوب) بتاريخ: 29/8/2025، حيث تكلَّم فيه عن أسباب نشوء الحركات الإسلامية، فقال:

«يجب أن ندرك أن هذه الحركات لم تنشأ عن اجتهاد فقط، وإنما نشأت عن ضرورة حصلت، لأن هذه الأمة المحمدية نُكبت نكباتٍ، وهذه النكبات أنا أُقدر أنها إلى وقتنا هذا ستُّ نكبات كبرى حرفتها عن مدارها: النكبة الأولى: كانت وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، والوحي أشدُّ ما يكون تتابعًا، والنبي صلى الله عليه وسلم في أوجِ قوَّته ونشاطه، ليس في وجهه ورأسه عشرون شعرة بيضاء، ولم يَكتب لنا دستورًا، ولم يبيِّن لنا طريقة اختيار الحاكم ومحاسبته وعزله، ولم يعيِّن لنا حاكمًا معيَّنًا، وكانت أزمة ارتدَّ بسببها جمهور المسلمين عن الإسلام، فكان رجال هذه الأزمة المهاجرون والأنصار، اجتمعوا على بيعة أبي بكرٍ في سقيفة بن ساعدة، ثم اجتمعوا على بيعته في المسجد البيعة العامة، ولم يستطيعوا أن يرجعوا لنا النبوة لأنها غير مكتسبة، وقد ختمت النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم، لكنهم استطاعوا أن يجدوا لنا أحسن بديل بعد النبوة، نزلوا درجة أقلَّ من النبوة، لكن هي أحسن شيء بعد النبوة، وهي الخلافة الراشدة على منهج النبوة».

 

التعليق:

كلام محمد الحسن الددو واضح وصريح في أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تركَ أمَّتَه على نقصٍ عظيمٍ جدًّا، وهو أنه: «لم يَكتب لنا دستورًا، ولم يبيِّن لنا طريقة اختيار الحاكم ومحاسبته وعزله، ولم يعيِّن لنا حاكمًا معيَّنًا»، وكان هذا النقص العظيم في عمل الرسول صلى الله عليه وسلم: «النكبة الأولى»؛ فهي أعظم نكبات الإسلام، وقد تسببت هذه «النكبة» في: «أزمة ارتدَّ بسببها جمهور المسلمين عن الإسلام».

ولو أن الددو قصد بالنكبة نفس «وفاة النبيِّ عليه السلام»؛ لكان كلامه مقبولًا، فإنها كانت مصيبة عظيمة، وهي أول مصائب المسلمين.

ولو أن الددو قصد بالأزمة نفس فتنة الردَّة؛ لكان كلامه مقبولًا أيضًا، فإنها كانت أعظم الفتن التي واجهها الصحابة الكرام بعد وفاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم مباشرةً.

لكن الددو قصد بـ «النكبة» موت رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير أن يكتب لأمته دستورًا ويؤسس لهم نظامًا سياسيًّا. ثم زعم أن هذه «النكبة» تسببت في «أزمة» بدأت بالردَّة واستمرت كل هذه العصور، إلى أن «اضطرت» الحركات الإسلامية في العصر الحديث إلى العمل من أجل تدارك النَّقص الذي تركنا عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حيث لم يضع لنا دستورًا ولا نظامًا سياسيًّا.

هذا منطوقه صراحة، ثم إن كل عاقلٍ عارفٍ بمعاني الخطاب العربي ومقاصده يفهم من كلامه: أن وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي توفي فيه كان أمرًا مفاجئًا، أي غير مخطَّط له، ولم يتهيَّأ النبيُّ لفراق أمته، بل على العكس من ذلك مات عليه السلام: «والوحي أشدُّ ما يكون تتابعًا، والنبي صلى الله عليه وسلم في أوجِ قوَّته ونشاطه، ليس في وجهه ورأسه عشرون شعرة بيضاء». وكان من نتائج هذه الوفاة المفاجئة ما صرَّح به من غياب الدستور والنظام السياسي.

هذا هو كلام الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي الصريح الواضح، ومن عنده شكٌّ فليرجع إلى التسجيل الأصلي لمقابلته، وليفهم كلامه بسياقه وتمامه، وسيجد أننا لم نفترِ على الرجل، ولم نقوِّله ما لم يقل. والذي نعتقده أن الددو عاقل مكلَّف شرعًا، يفهم ما يقول، ويقصد ما يقول، ولا نتجرأ على رميه بالخرف أو الجنون، ولا توجد قرينة تدلُّ على كونه مكرهًا أو مضطرًا إلى قول ما قاله.

لهذا كلِّه نقول: إن كلام الددو هذا يعبِّر عن علمه وفهمه، واعتقاده وقناعته، وهو مسؤول عنه أمام الله تعالى ثم أمام المسلمين جميعًا، وسنتناوله بالنقد في ضوء القاعدة الشرعية الكليَّة: «نحن نحكم بالظاهر، والله يتولَّى السرائر».

إن كلام الددو هذا من أعظم الانحرافات والضلالات التي صدرت منه حتى الآن، وهو في غاية الخطورة، وهو حريٌّ أن يلحقه بالباطنيِّ الزِّنديق: آية الشَّيطان الخمينيِّ، كما سنشرحه في هذا المقال، إلا أن يتوب توبة نصوحًا مع الإصلاح والتبيين دون مراوغة أو تلون، كما هو حاله في ضلالاته السابقة.

وهذا بيان ضلال الددو في كلامه:

أولًا: ادَّعى الددو أن موت النبي صلى الله عليه وسلم كان فجاءةً، وهو في أشد نشاطه، وفي حال تتابع الوحي. هذا ما يدلُّ عليه كلامه ويُفهم منه بدلالة اللغة وأسلوب الخطاب، دون تكلُّف ولا تحاملٍ، كما بيَّناه أعلاه.

نقول: هذا ادِّعاء باطل، يكذِّبُه ما تتابعت عليه كتب السنة والسيرة في ذكر إرهاصات قرب موته صلى الله عليه وسلم:

فمن ذلك ما صحَّ في نزول سورة النَّصر، فقد أخرج البخاريُّ (4970) عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دعاه مع أشياخ بدرٍ، فسألهم عن قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}. فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نُصرنا وفتح علينا. وسكت بعضهم فلم يقل شيئًا، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فقال لي عمر رضي الله عنه: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ قال: فقلت: لا. قال: فما تقول؟ قال رضي الله عنه: هو أجَلُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أَعلمه له، قال: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}. وذلك علامة أجلك، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}. فقال عمر رضي الله عنه: ما أعلم منها إلَّا ما تقول.

ومنها: ما أخرجه البخاري (6285)، ومسلم (2450) عن عائشة رضي الله عنها قالت: أَسرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى فاطمة رضي الله عنها، فأخبرها: «أنَّ جبريل كان يعارضه القرآن كلَّ سنة مرَّةً، وإنه قد عارضني به العام مرتين، ولا أرى الأجل إلَّا قد اقترب، فاتَّقي الله واصبري، فإنِّي نعم السَّلَفُ أنا لك».

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرِّض لأصحابه باقتراب أجله، ويلمِّح لهم بذلك، فقد قال لهم في حجة الوداع عند جمرة العقبة: «لتأخذوا مناسككم، فإنِّي لا أدري لعَلِّي لا أحجُّ بعد حجَّتي هذه». أخرجه مسلم (1297).

وأخرج البخاري (466)، ومسلم (2382) من حديث أبي سعيد الخدري قال: خطب النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: ‌«إنَّ ‌الله ‌خَيَّرَ ‌عبدًا ‌بين ‌الدُّنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله». فبكى أبو بكر رضي الله عنه، فقلت في نفسي: ما يبكي هذا الشيخَ؛ إن يكن الله خيَّر عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله؟! فكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هو العبدُ، وكان أبو بكر أعلمنا.

وكانت هذه الخطبة في مرض موته عليه السلام (فتح الباري: 7/12)، وقد امتدَّ مرضه ثلاثة عشر يومًا ـ على قول أكثر العلماء (فتح الباري: 8/129)، مكث فيها في بيت عائشة رضي الله عنها، وترك عليه السلام إمامة الصلاة في مسجده أيامًا قبل وفاته. كل هذا مشهور في كتب السنة والسيرة، فكيف يقال: إنَّ موته ـ بأبي هو وأمي ـ كان مفاجئًا الأمر الذي لم يستطع بسببه أن يضع نظامًا سياسيًّا كحال الأحزاب والحركات الإسلامية وغير الإسلامية، فكان ذلك من أسباب نشوء تلكم الحركات؟!

وما يؤثر من تأثر بعض الصحابة بموته وعدم تصديقهم لذلك في أول وهلة؛ فهو ليس لأن موته كان فجاءة في عز نشاطه، بل لهول الصدمة على نفوسهم، وحتى لو تفاجأ الصحابة بذلك فلم يكن هو عليه الصلاة والسلام ليتفاجأ فيتركهم دون وضع نظام سياسي، أو يشير عليهم به لو كان ذلك مقصودًا له، أو كان مطلبًا من مطالب الدين الأساسية.

ثانيًا: قال الددو: «كانت وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم والوحي أشدُّ ما يكون تتابعًا».

نقول: ذكر الددو تتابع الوحي ليؤكد في ذهن السامع المعنى المفهوم من كلامه وهو: موته عليه السلام فجاءةً. وهذا باطل، بل الصحيح أن الوحي كان يتتابع لتهيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمَّته لإكمال المهمة والفراق، فإن الددو يعلم ـ يقينًا ـ بما في «الصحيحين» من خبر نزول آية المائدة في حجَّة الوداع.

أخرج البخاري (45) و(4407)، ومسلم (3017) من حديث طارق بن شهابٍ، قال: إنَّ رجلًا من اليهود قال لعمر بن الخطَّاب: يا أمير المؤمنين! آيةٌ في كتابكم تقرؤونها، لو علينا ـ معشرَ اليهود ـ نزلتْ لاتَّخذنا ذلك اليوم عيدًا. قال: أيُّ آيةٍ؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}. قال عمرُ: قد عرفنا ذلك اليومَ والمكانَ الذي نزلتْ فيه على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو قائمٌ بعرفةَ، يومَ جمعةٍ.

قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: «الصواب الذي لا شكَّ فيه، ولا مريةَ: أنها أنزلت يوم عرفة، وكان يوم جمعة، كما روى ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، ‌وأول ‌ملوك ‌الإسلام ‌معاوية ‌بن ‌أبي ‌سفيان، ‌وترجمان القرآن عبد الله بن عباس، وسمرة بن جندب رضي الله عنهم، وأرسله: الشعبي وقتادة بن دعامة وشهر بن حوشب وغير واحد من الأئمة والعلماء، واختاره ابن جرير الطبري رحمه الله».

إذن؛ كان الإعلان الإلهي العظيم بإكمال الدين وإتمام نعمة الوحي والنبوة والرسالة في حجَّة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، واسمها بلا خلافٍ: «حجَّة الوداع»، إذ لم يعش عليه السلام بعدها إلا أيامًا معدودة، وهي تمام شهر ذي الحجَّة، وشهري المحرَّم وصفر بتمامهما، وتوفي عليه السلام ـ على الصحيح المعتمد ـ في الأول من ربيع الأول، فقد عاش عليه السلام بعد يوم وقوفه بعرفة (79) يومًا، ومات في ضحى اليوم الثمانين، صلى الله عليه وسلم.

وقد اختلف العلماء في عدد الآيات التي نزلت بعد آية المائدة، ومجمل الآثار والأقوال فيها يدل دلالة قاطعة أنها كانت آيات قليلة معدودة، ربما لا تتجاوز عشر آيات.

 

ثالثًا: ادعاء الددو أن النبي صلى الله عليه وسلم مات فجاءةً: «ولم يبيِّن لنا طريقة اختيار الحاكم ومحاسبته وعزله، ولم يعيِّن لنا حاكمًا معيَّنا، وكانت أزمة ارتدَّ بسببها جمهور المسلمين عن الإسلام»؛ لا يقول به مسلمٌ أصلًا، وإنما هو قول الزنادقة الباطنية وغلاة الفلاسفة كابن سينا وملاحدة المستشرقين وأمثالهم من الذين يرون في «محمد بن عبد الله» زعيمًا قوميًّا، ومصلحًا عظيمًا، أراد أن يصلح أحوال أمته بما وضع لهم من العبادات والشرائع، فأَنْ يموتَ قبل أن يؤسس لهم نظام حكم سياسي يسيرون عليه من بعده؛ فلا شكَّ أنه نقص عظيم، وفشل كبير في مشروعه.

أما أهل الإيمان والإسلام فيعتقدون أن النبوة والرسالة ـ من مبدئها إلى خاتمتها، وفي جميع جزئياتها وتفاصيلها ـ لم تكن بعلم هذا الرسول المصطفى ولا باختياره ولا برغبته وتخطيطه، بل كانت وحيًا خالصًا من عند ربِّه بعلمه سبحانه وأمره، وحكمته، وإرادته وتدبيره:

قال الله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [القصص: 86].

وقال سبحانه: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)} [الشورى].

وقال عزَّ وجلَّ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)} [آل عمران].

وقال تبارك وتعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} [النجم].

وقال ـ وقوله الحقُّ ـ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)} [المائدة].

وأخرج البخاري (4612)، ومسلم (177) عن عائشة رضي الله عنها قالت: من حدَّثك أن محمدًا صلى الله عليه وسلم كتم شيئًا ممَّا أُنزل عليه فقد كذب، والله يقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} الآية.

لهذا فإنَّ من أصول الإيمان به صلى الله عليه وسلم: الاعتقاد الجازم بأنه عليه السلام قد أدَّى الأمانة، وبلَّغ الرسالة، ونصَحَ الأمَّة، وجاهد في الله حقَّ جهاده، وعبد ربَّه حتى أتاه اليقين من ربِّه صلى الله عليه وسلم تسليمًا.

ومن مقتضيات هذا الأصل العظيم: أن نعتقد ـ بيقينٍ لا ريب فيه ـ أن ما لم يبيِّنه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمورٍ في أيِّ شأن من شؤون الدين والدنيا والحكم والسياسة لم يكن عن نقص ولا عجز ولا خيانة ولا نسيان، بل كان تركه بيان ما ترك بيانَه عن علمٍ وقصدٍ، وأن ذلك بعلم الله ووحيه، كما قال الله تعالى: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)} [مريم].

 

رابعًا: إذا علمنا وآمنَّا بأن الله تعالى أكمل لنا ديننا، وأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بلغ الرسالة وأدَّى الأمانة دون نقصٍ أو تقصيرٍ؛ فنعلم ـ بيقينٍ ـ أنه صلى الله عليه وسلم لمَّا «لم يَكتب لنا دستورًا، ولم يبيِّن لنا طريقة اختيار الحاكم ومحاسبته وعزله، ولم يعيِّن لنا حاكمًا معيَّنًا» ـ كما قال الددو ـ؛ فإنه عليه السلام ترك ذلك كلَّه عمدًا وقصدًا، وكان ذلك بعلم الله تعالى وأمره.

ولمَّا كنَّا نعلم ـ بالضرورة الإيمانية والشرعية ـ أن النبيَّ عليه السلام لم يكتم شيئًا من رسالته، ولا ضيَّع أمرًا من أوامر ربِّه، وأنه تركنا على الصراط المستقيم والمحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك؛ فبقينٍ ندري أن تلك الأمور التي ترك كتابتها وبيانها والأمر بها؛ ليست من أصول دينه ولا أحكامه، وليست من مقاصد رسالته ولا من غاياتها.

ونعلم بهذا أيضًا ـ بالضرورة الشرعية والعقلية ـ: أن تلك الأمور ليست لها أهمية في ميزان الغاية التي خلق الله لها عباده، وليست داخلة في مراد الله عزَّ وجلَّ، ولا هي من أصول الدين ولا أحكامه وشرائعه، وأن اللازم من ذلك تعبدًا وتديُّنًا ما جاءت به نصوص القرآن والسنة وجرت عليه سنة الخلفاء الراشدين في الحكم والإمارة والقضاء ومعاملة الحكَّام وما إلى ذلك من مسائل السياسة الشرعية، وما سكت عنه الشارع الحكيم فللمسلمين أن يجتهدوا في إصلاح شؤون دنياهم بما لا يخالف أحكام دينهم.

خامسًا: ادعاء الددو أن عدم بيان النبيِّ صلى الله عليه وسلم لنظام الحكم من بعده كان «النكبة الأولى في تاريخ الإسلام»، «وكانت أزمة ارتدَّ بسببها جمهور المسلمين عن الإسلام»؛ ادِّعاء باطل، لا يمتُّ إلى الحقيقة التاريخية بصلة، وإنما دلَّت الروايات والأخبار وأقوال المؤرخين على أن سبب «الردة» راجع إلى أمرين لا ثالث لهما:

الأول: الردة الصريحة بترك الإسلام من قبل الذين تأخر إسلامهم ولم يدخل الإيمان في قلوبهم.

الثاني: الامتناع عن أداء الزكاة.

وقد لخَّص ذلك الإمام ابن كثير فقال: «إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفي ارتدَّت أحياء كثيرة من الأعراب، ونجم النفاق بالمدينة، وانحاز إلى مسيلِمة الكذاب بنو حنيفة وخلق كثير باليمامة، والتفت على طُليحة الأسديِّ بنو أسد وطيئ، وبشر كثير أيضًا، وادعى النبوةَ ـ أيضًا ـ كما ادعاها مسيلمة الكذاب، وعظم الخطب واشتدت الحال، ونفَّذَ الصديق جيش أسامة، فقلَّ الجند عند الصديق، فطمعت كثير من الأعراب في المدينة، وراموا أن يهجموا عليها، فجعل الصديق على أنقاب المدينة حرَّاسًا يبيتون بالجيوش حولها. وجعلت وفود العرب تَقْدَمُ المدينةَ، يقرُّون بالصَّلاة ويمتنعون من أداء الزكاة» (البداية والنهاية: 9/438).

لقد بنى الددو على ادعائه الأول هذا الادعاء الثاني، فبنى باطلًا على باطل، وفسَّر الواقعة تفسيرًا سياسيًّا، وهذا أصل الانحراف في عقيدته وفكره، وهو الذي جرَّأه على التصريح بهذا الكلام الخطير القادح في الرسالة المحمدية، وهذا ما نشرحه في النقطة التالية.

 

سادسًا: إن من الأفكار المركزية الأساسية في الفكر الحركي لدى الجماعات الإسلامية الحركية المعاصرة أنَّ الغاية من الرسالة المحمدية هي إحداث الانقلاب السياسي وإقامة نظام الحكم المثالي والعدالة الاجتماعية.

أشهر من صرح بهذا وشرحه تفصيلًا من منظري الحركيين هو المودودي، ومن ذلك قوله: «إن الله قد أراد ببَعْثِهم أن يقيم في العالم نظام العدالة الاجتماعية على أساس ما أنزله عليهم من البيِّنات، وما أنعم عليهم في كتابه من الميزان، أي: نظام الحياة الإنسانية العادل». وقوله: «هذا هو الغرض الذي من أجله فُرضت الصلاة والصوم والزكاة والحجّ في الإسلام، وليس معنى تسميتها بالعبادات أنها هي العبادات، بل معناه: أنَّها تُعِدُّ الإنسانَ للعبادة الأصلية، وهذه دورة تدريبيَّة لازمة لها» (راجع: مقدمة في تفسير الإسلام للشيخ عبد الحق التركماني).

وهذه الفكرة المركزية تهيمن على فكر جميع الإسلاميين الحركيين، كحسن البنا وسيد قطب ومحمد قطب، لكن بدرجات متفاوتة في الصراحة والوضوح. ومن المعلوم أن الشيخ محمد الحسن الددو قد تربَّى منذ شبابه في محاضن الإخوان المسلمون، وغرست فيه هذه الرؤية والمعتقد.

لقد واجه الحركيون معضلة كبرى لما نظروا في دعوة الرسل عمومًا، وفي دعوة إمامهم وخاتمهم خصوصًا ـ صلى الله وسلم عليهم جميعًا ـ؛ حيث وجدوا أن هذه الفكرة المركزية لا تمثل أصلًا من أصول دعوة الرسل عليهم السلام، بل ليس لها أهمية كبرى في دينهم وشريعتهم، ووجدوا ـ أيضًا ـ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يضع للأمة دستورًا سياسيًّا، ولا حدَّد لهم نظامًا للحكم، على غرار ما وضعه ـ مثلًا ـ «الآباء المؤسسون للولايات المتحدة» حيث كتبوا الدستور وأسسوا مجلس الشيوخ ومجلس النوَّاب (الكونغرس) ونظام الانتخاب وتداول السلطة.

لقد راغ الحركيون أمام هذه المعضلة روغان الثَّعلب، ولم يجدوا حلَّها إلا في تأويل النصوص أو تحريفها أو ردها، واختراع تفسيرات وتوجيهات ما أنزل الله بها من سلطان، والقلة القليلة منهم كانوا بصراحة المودودي وشجاعته، وقد ألَّف بلَدِيُّ الددو ورفيقه في الانتماء لجماعة الإخوان المسلمون: محمد المختار الشنقيطي كتاب: «الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية من الفتنة الكبرى إلى الربيع العربي»، وقدَّم له: راشد الغنوشي، ومن الواضح أن الددو قد أخذ هذه الفكرة من بلديِّه، لكنه تجرأ على التصريح بها بطريقة عادت بالطعن في كمال الرسالة المحمدية.

لقد اخترع الدَّدو هذا السبب العجيب ـ وهو موته صلى الله عليه وسلم المفاجئ ـ ولولاه لما تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون نظام سياسي ودستور محكم، كيف وهو لم تكن دعوته ودينه إلا لأجل الحكومة الإلهية!

لا نعرف أحدًا بلغت به الجرأة والوقاحة هذا الحدَّ إلا الباطني الزنديق: الخميني، فكلامه في فشل النبي عليه السلام في رسالته أقبح وأشنع من كلام الدَّدو.

لقد التزم الخميني بلازم فكرتهم المركزية المناقضة لحقيقة دعوة الرسل عليهم السَّلام، وكان أكثر جرأةً وصراحةً، فقد ألقى عن نفسه جلباب التقيَّة، وتجرَّأ ـ وهو في نشوة انتصار ثورته ـ على ما لم يتجرَّأ عليه غيره، فقال بصريح العبارة: «كلُّ نبيٍّ من الأنبياء إنما جاء لإقامة العدل، وكان هدفُه هو تطبيقه في العالم، لكنَّه لم ينجح، وحتى خاتم الأنبياء (ص) الذي كان قد جاء لإصلاح البشر وتهذيبهم وتطبيق العدالة؛ فإنَّه هو ـ أيضًا ـ لم يُوفَّق، وإنَّ من سينجحُ بكلِّ معنى الكلمة، ويطبِّق العدالة في جميع أرجاء العالم: هو المهديُّ المنتظر» [من خطابه إلى الشعب الإيراني بمناسبة الخامس عشر من شهر شعبان: 1400، الموافق: 28/6/1980، وبثَّ من الإذاعة والتلفزيون، كما في «مختارات من أحاديث وخطابات الإمام الخميني»، طبع: مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني، قسم الشؤون الدولية، طهران، 2/42].

ومن أراد أن يفهم كلام الددو فهمًا صحيحًا فليستعن بكلام الخميني هذا، وما ذكرناه عن المودودي.

وللمودودي نصوص أخرى قريبة من قول الخميني، من ذلك قوله في كتابه: (الجهاد في الإسلام)، الطبعة الأصلية بالأردو (ص: 174):

 «ولكن بعد أن فشل في الدعوة والتلقين؛ أخذ داعي الإسلام السيفَ بيده».

سابعًا: إن الذي ينسفُ كلَّ هذا الباطلِ الحركيِّ، بل وينقض دعوى الددو ضرورة نشوء «الحركات الإسلامية» لتدارك النقص الذي تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ هو نقض نظرية «التفسير السياسي للدين» من أصلها، فهي أصل ضلال الحركيين وعقدة انحرافهم، التي أوردتهم هذه المضايق والمهالك، فالإسلام الذي نزله الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم غايته ليست سياسية ولا نفعية، بل هي غايةٌ تعبدية لله وحده: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات]، {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)} [البينة: 5]، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى أكمل لنا الدين في كل ما ينفعنا في الدنيا والآخرة، والدين صالح ومصلح لكل مكان وزمان، أمَّا أحوال الناس الدنيوية ونظمهم السياسية والاجتماعية فتختلف وتتغير باختلاف العصور والأمصار.

وللعلامة ابن القيِّم رحمه الله كلمة جامعة مانعة في الردِّ على كل من يظن أن الدين فيه نقص، ولم يبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم ما نحتاجه، حتى ظهرت حركات الإسلام السياسي لتسدَّ هذا الفراغ ـ كما قال الددو ـ، نوردها بطولها لأهميتها:

قال ابن القيم: «وتقسيم بعضهم طرق الحكم إلى شريعة وسياسة كتقسيم غيرهم الدين إلى شريعة وحقيقة، وكتقسيم آخرين الدين إلى نقل وعقل. وكل ذلك تقسيم باطل، بل السياسة والحقيقة والطريقة والعقل كل ذلك ينقسم إلى قسمين: صحيح، وفاسد. فالصحيح قسمٌ من أقسام الشريعة لا قسيمٌ لها، والباطل ضدها ومنافيها. وهذا الأصل من أهم الأصول وأنفعها، وهو مبنيٌّ على حرفٍ واحد، وهو عموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم بالنسبة إلى كلِّ ما يحتاج إليه العباد في معارفهم وعلومهم وأعمالهم، وأنه لم يحوج أمته إلى أحدٍ بعده، وإنما حاجتهم إلى من يبلغهم عنه ما جاء به. فلرسالته عمومان محفوظان لا يتطرق إليهما تخصيص: عموم بالنسبة إلى المرسَل إليه، وعموم بالنسبة إلى كل ما يحتاج إليه من بعث إليه في أصول الدين وفروعه. فرسالته كافية شافية عامة، لا تحوج إلى سواها. ولا يتم الإيمان به إلا بإثبات عموم رسالته في هذا وهذا، فلا يخرج أحد من المكلفين عن رسالته، ولا يخرج نوع من أنواع الحق الذي تحتاج إليه الأمة في علومها وأعمالها عما جاء به. وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما طائرٌ يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر الأمة منه علمًا. وعلَّمهم كلَّ شيء حتى آداب التخلِّي وآداب الجماع والنوم والقيام والقعود، والأكل والشرب، والركوب والنزول، والسفر والإقامة، والصمت والكلام، والعزلة والخلطة، والغنى والفقر، والصحة والمرض، وجميع أحكام الحياة والموت. ووصف لهم العرش والكرسي، والملائكة والجن، والنار والجنة، ويوم القيامة وما فيه حتى كأنه رأي عين.

وعرَّفهم معبودهم وإلههم أتمَّ تعريفٍ، حتى كأنهم يرونه ويشاهدونه بأوصاف كماله ونعوت جلاله.

وعرَّفهم الأنبياء وأممهم، وما جرى لهم، وما جرى عليهم معهم، حتى كأنهم كانوا بينهم.

وعرَّفهم من طرق الخير والشر دقيقها وجليلها ما لم يعرفه نبيٌّ لأمته قبله.

وعرَّفهم صلى الله عليه وسلم من أحوال الموت، وما يكون بعده في البرزخ وما يحصل فيه من النعيم والعذاب للروح والبدن ما لم يعرف به نبيٌّ غيره.

وكذلك عرفهم صلى الله عليه وسلم من أدلة التوحيد والنبوة والمعاد، والرد على جميع فرق أهل الكفر والضلال ما ليس لمن عرفه حاجة إلى من بعده، اللهم إلا إلى من يبلِّغه إياه، ويبيِّنه، ويوضِّح منه ما خفي عليه.

وكذلك عرَّفهم صلى الله عليه وسلم من مكايد الحروب ولقاء العدو وطرق النصر والظفر؛ ما لو علموه وعملوه ورعوه حقَّ رعايته لم يقم لهم عدوٌ أبدًا.

وكذلك عرَّفهم صلى الله عليه وسلم من مكايد إبليس وطرقه التي يأتيهم منها، وما يتحرَّزون به من كيده ومكره، وما يدفعون به شره ما لا مزيد عليه.

وكذلك عرفهم صلى الله عليه وسلم من أحوال نفوسهم وأوصافها ودسائسها وكمائنها ما لا حاجة لهم معه إلى سواه.

وكذلك عرفهم صلى الله عليه وسلم من أمور معاشهم ما لو علموه وعملوه لاستقامت لهم دنياهم أعظم استقامة.

وبالجملة: فجاءهم بخير الدنيا والآخرة برمته، ولم يحوجهم الله إلى أحد سواه. فكيف يُظن أنَّ شريعته الكاملة التي ما طرق العالم شريعة أكمل منها ناقصة تحتاج إلى سياسة خارجة عنها تكمِّلها، أو إلى قياس أو حقيقة أو معقول خارج عنها؟ ومن ظن ذلك فهو كمن ظن أن بالناس حاجة إلى رسول آخر بعده.

وسبب هذا كلِّه خفاء ما جاء به على من ظن ذلك، وقلَّة نصيبه من الفهم الذي وفق الله له أصحاب نبيه، الذين اكتفوا بما جاء به، واستغنوا به عما سواه، وفتحوا به القلوب والبلاد، وقالوا: هذا عهد نبينا إلينا، وهو عهدنا إليكم.

وقد كان عمر رضي الله عنه يمنع من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية أن يشتغل الناس به عن القرآن، فكيف لو رأى اشتغال الناس بآرائهم وزبد أفكارهم وزبالة أذهانهم عن القرآن والحديث؟ فالله المستعان.

قال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 51].

وقال: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89].

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57].

وكيف يشفي ما في الصدور كتاب لا يفي هو وما تبينه السنة بعشر معشار الشريعة؟ أم كيف يشفي ما في الصدور كتاب لا يستفاد منه اليقين في مسألة واحدة من مسائل معرفة الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، أو عامتها ظواهر لفظية دلالتها موقوفة على انتفاء عشرة أمور لا يعلم انتفاؤها؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.

ويا لله العجب! كيف كان الصحابة والتابعون قبل وضع هذه القوانين التي أتى الله بنيانها من القواعد، وقبل استخراج هذه الآراء والمقاييس والأوضاع؟ أَهَلْ كانوا مهتدين مكتفين بالنصوص، أم كانوا على خلاف ذلك، حتى جاء المتأخرون، فكانوا أعلم منهم، وأهدى وأضبط للشريعة منهم، وأعلم بالله وأسمائه وصفاته وما يجب له ويمتنع عليه منهم؟ فوالله لأن نلقى الله بكل ذنب ما خلا الإشراك به خير من أن نلقاه بهذا الظن الفاسد والاعتقاد الباطل» (أعلام الموقعين: 5/411).

 

ثامنًا: نخلص من جميع ما ذكرناه إلى أن الإسلام كان من مقاصده ألَّا يضع مثل هذه الأنظمة التي تجعل من العمل السياسي هو الشغل الشاغل للمسلم، ولأن هدفه ليس ذلك، ولا غايته المنافسة على السلطة، واكتفى بالقواعد العامة للحكم من إيجاب الحكم بالشريعة، ووجوب العدل بين الناس، وانصاف المظلوم، ورد الحقوق، وتنظيم حياة الناس، واحتاط من الفتن فحرَّم الخروج على ولاة المسلمين، وأمر بالصبر على جورهم واستئثارهم، وجاءت النصوص والآثار بمنهج «معاملة الحكَّام» ومحاسبتهم وعزلهم والخروج عليهم كما تجده مبسوطًا في كتب السياسة الشرعية، ومنها كتاب: «معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة» للشيخ عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم رحمه الله تعالى؛ فجاء منظرو التفسير السياسي للإسلام ليقلبوا هذا الأمر، فأصبحت الوسائل بمرتبة المقاصد، وأصبح العمل السياسي هو ميدان الصراع بين الإسلام والكفر، وأصبحت العبادات وسائل تدريبة وعسكرية هدفها تهيئة المسلم لاستلام مقاليد السيطرة على العالم وتشكيل الحكومة الإلهية، فاصطدموا بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم والتاريخ الإسلامي إلى ما قبل نشوء تلك الحركات والجماعات، وحتى بسِيَر أكثر الرُّسل عليهم السلام الذين ماتوا ولم يحكموا أصلًا. [راجع: مقدمة في تفسير الإسلام: 229 – 242].

نسأل الله تعالى أن يهدي الشيخ محمد الحسن الددو إلى الحقِّ والصواب، ويوفَّقه إلى التوبة النَّصوح والتبيين والإصلاح، آمين، والحمد لله رب العالمين.

 

مركز دراسات تفسير الإسلام

الخميس 26 ربيع الأول 1447، الموافق: 18 أيلول 2025
Bantahan ilmiyah ustadz alif el qibty